الكوفة من الامصار الاسلامية التي تمتعت بمكانة تاريخية خاصة، حيث كان لها حضور روحي وحضاري في تاريخ الامة الاسلامية والطوائف الدينية غير المسلمة، مدينة بالأصل قامت على انقاض مدينة فرثية تعود الى الملك فولكاش الاول (51- 78م)، فقد وردَ ذكرها في التوراة باسم (عاقولا) وهي بذلك تُــعَــد مدينة سريانية من الناحية التاريخية، أما الجانب الروحي والتعبدي فقد عُـرفت على أنها منزل نوح (عليه السلام) والمكان الذي فار منه التنور.
ان تسمية الكوفة جاءت بناءً على معانيها ومدلولاتها اللغوية، فالكوفة تعرفها المعاجم اللغوية على انها لفظ يطلق للدلالة على الارض ذات الرملة الحمراء أو الرملة المستديرة، والكوفة عند اللغويين تعني الرملة التي تخالطها حصباء، وهنالك رأي بشـأن تسميتها ايضاً ذلك أنه لما اراد القائد سعد بن ابي وقاص بناء الكوفة قال لجنده" تكوفوا في هذا الكان" أي اجتمعوا فيه.
ولتمصير الكوفة ضرورات من الناحية العسكرية فكانت توفر نوعا من الدعم اللوجستي لجيش المسلمين الفاتح والمحرر لمناطق خارج حدود الجزيرة العربية وذلك لما تتمتع به منطقة الكوفة من موقع جغرافي مهم، وكان لابد من معسكرٍ وموقع يوفر لهم هذا العمق الاستراتيجي في رفد عمليات نشر العقيدة الاسلامية بين الامم، كما تمتعت المنطقة بصفات جغرافية لوقوعها على اطراف الصحراء وتوفر الشروط الصحية الملائمة لعيش العربي ودوابه.
لكل ما تقدم نزلها العرب وكانت ثاني الامصار الاسلامية التي مصرت بعد البصرة سنة 17هجرية، وكان للمجتمع الكوفي مـــد كبير في الحياة السياسية للمسلمين، حيث عرف عن الكوفة بانها صعبة المراس سياسياً، فقد ساسهم الامام علي بن ابي طالب(عليه السلام)(35-40هـ/656- 660م) فجسد فيهم روح العدل والمساواة بين العرب والموالي حتى اوصى أحد عماله على نواحي الكوفة: " إياك أن تضرب مسلماً أو يهودياً أو نصرانياً في درهم خراج أو تبيع دابة عمل في درهم فإنا أُمــرنــا أن نأخـــذ منه العـفــو" وبذلك نال اليهود والنصارى مع المسلمين نوعا من التسامح الديني والاستحسان من الخلفاء الراشدين (رضيَّ الله عنهم).