يعدُّ الحذف باباً وضرباً من الايجاز في العربية فقد حذفت العرب الجملة والمفرد والحرف والحركة، ولا يقع الا بدليل يدّلُ عليه. وقد تنبه علماء العربية الأوائل لذلك، غايته القصوى طلب الاختصار بما لا يُخلُّ بالمعنى، ولو بانَ المحذوف لفقد الكلام منزلته وبلاغته وحسنه، والحذف ظاهرة نصّية لها أثر فعّال في اتّساق النصّ وترابط عناصره. والغاية المتوخاة من هذا البحث رصد ظاهرة الحذف في مدوّنة لغوية هي مقامات الحريري (ت 516ه)، التي تضمّ نصوصاً منْ شوارد اللغة ونوادر التركيب والعبارة بأسلوب مسجوع ومعجم زاخر بكثير من المفردات.
وتسليط الضوء على الحذف والاضمار – محوراً للدراسة – لأهميتهما في الدراسة النحوية والنصّية، فالحذف ليس مجرد الاختصار والتخفيف لكثرة دوران الالفاظ في كلامهم؛ بل الغرض منه التفخيم والاعظام لِما فيه من الابهام... وتبنى البحث عرضاً لنصوص مختارة من مقامات الحريري، ولاسيما تلك التي تعدّدَ المحذوف فيها ما بين اسم وفعل وحرف وجمل وتراكيب غير تامة المعنى وتحليلها نحوياً فضلاً عن ابراز الابعاد النصيّة لهذه النصوص المختارة.