كرَّس جوزيف شاخت جزءاً كبيراً من حياتهِ المهنية لدراسة بداية تاريخ وتطور الفكر الفقهي الإسلامي. إذ شكَّلت أطروحته عن تكوين الفقه الإسلامي، حيث أدَّت السُّنَّة النَّبوية دوراً حاسماً، أساساً لأبحاثٍ لاحقة عن الموضوع ذاته، تمتلك إضافةً إلى ذلك كافَّة مزايا الفكر العميق والأصالة.
وجِّهت بعض الردود نحو أطروحة شاخت، وكانت أحياناً شديدة الانتقاد. بل إنَّ بعضها اتهمته بتعزيز "فكرة خاطئة" عن موقع الفقه في الإسلام ومنحه اهتماماً قليلاً للتشريع القرآني. ويؤكِّد هؤلاء أنَّ شاخت يؤيد وجهة نظر تنحرف بوضوح عن الاعتقاد السَّائد لدى غالبية المُسلمين. من جهةٍ أخرى، أبدى بعض العلماء إعجاباً كبيراً بأطروحة شاخت. إذ مثَّل جداله الصامت والإسقاط الخلفي ونظريات الرابط المُشترك الخطوط العريضة لأطروحتهِ، والتي نالت ثناءً كبيراً بين أبرز العلماء، من المُستشرقين وغير المُستشرقين على حدٍّ سواء.
من أجل فهم حياة شاخت وأهمية أعمالهِ ونِتاجاتهِ العلمية باعتبارهِ مستشرقاً كبيراً، وخصوصاً بقدر تعلُّق الأمر بمُساهمته بدراسة الفقه الإسلامي، كُرِّس المبحث الأول من هذهِ الدراسة لمُناقشة خلفيته وشخصيته وحياته المهنية وعمله.
في المُقابل، يتعامل المبحث الثاني مع أطروحة شاخت الرئيسة عن تكوين الفقه الإسلامي. وعلى النقيض من الاعتقاد السَّائد، يفترض شاخت أنَّ الفقه لم ينشأ في حياة النَّبي مُحمَّد (r)، وأنَّ المُمارسات الشعبية والإدارية للأُمويين كانت هي نقطة بداية تكوين الفقه. من أجل دعم فرضيته الأساسية، يتعقَّب شاخت أصالة مفهوم السُنن النَّبوية التي أدَّت - كما قال - دوراً مهماً في تكوين الفقه. ويستنتج شاخت بصورةٍ أكيدة أنَّ السُنن النَّبوية تشكَّلت من قِبَل أجيالٍ لاحقة ليس لها صلة بالنَّبي نفسه.