بدأت دراسات الترجمة التحريرية والشفوية في الألفية الجديدة بالاستفادة من التطورات الحاصلة في علم الاجتماع وتوظيفها لتفسير الأفعال التي تنبع من الوكالة او الذات غير الموضوعية للمترجم. ونظرًا لأن الأفعال وردود الفعل البشرية لا يمكن التنبؤ بها دائمًا، يمكن للوكالة او للذات غير الموضوعية أن تلعب دورًا حاسمًا في مدى الدرجة التي يتدخل فيها المترجمون التحريريون والشفويون في المهام الموكلة إليهم. وقد قد تؤدي العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعرقية المختلفة إلى دفعهم للمشاركة شعوريا او لا شعوريا في تفضيل مصالح معينة أو التقليل من شأنها.
تفترض الدراسة الحالية أن بأمكان المترجمين المشاركة بفاعلية في التخريب الأيديولوجي ل "الآخر" من خلال الاستفادة من الأدوات النصية تحت تصرفهم لتغذية معرفتهم المؤسسية ومعتقداتهم أو أيديولوجياتهم في النصوص أو الأقوال التي يترجمونها. اي انهم قد لا يترددوا في حذف أو إضافة أو استبدال الرسائل التي تتعارض مع مواقفهم أو مواقف مجموعتهم أو مجتمعهم. ان نظرية الفاعل- الشبكة هي الإطار المفاهيمي الذي تستند إليه هذه الدراسة وتستخدمه للكشف عن مناسبات التخريب المحتملة وتبريرها.
اما البيانات فهي مأخوذة من الترجمة الحية المتزامنة لثلاث خطابات سياسية نشرت في قناتي الجزيرة والعربية وهي: خطاب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي باللغة الإنجليزية في مؤتمر ميونيخ للأمن 2017 وخطابين للرئيس الأمريكي باراك أوباما أحدهما بعنوان `` بداية جديدة ''. (4 حزيران 2009 في القاهرة) اما الاخر فهو “لحظة من الفرص" (19 مايس 2011 في وزارة الخارجية). تثبت النتائج أن التخريب الأيديولوجي في عملية الترجمة لا مفر منه.