راودتني منذ زمن طويل رغبة جامحة في دراسة بعض النصوص الشعرية القديمة على وفق منهج نقدي حديث يناسب تخصصي في هذا المجال ؛ لأن تلك النصوص الشعرية القديمة تمتلك وفرةً من السمات والخصائص التي تدهش المتلقي وتخلق لديه حالة من الأعجاب بما تحويه من شعرية وجماليات. وقد أخترت (دالية الأعشى)(1) التي مدح بها الرسول الكريم(صل الله عليه وسلم) لما فيها من سمات الابداع المتفردة وما تمتلكه من خصائص رشحتها للدراسة دون غيرها من قصائد هذا الشاعر الكبير . هذه القصيدة تعكس فهم الأعشى للإسلام على الرغم من عدم اسلامه. وتكشف اعجاب الشاعر بما دعى اليه الرسول الكريم من مكارم الاخلاق وجميل الصفات . ومن هنا فقد فتحت هذه القصيدة الباب على مصراعيه في فن شعري جديد هو المدائح النبوية – اذا استثنينا قصائد حسان بن ثابت التي أعقبت اسلامه ، وخير مثال على ذلك قصيدة حسان الهمزية في مدح الرسول الكريم (صل الله عليه وسلم) (2).
ان الأعشى يستثمر في هذه القصيدة التناص والتضاد في (3) خلق نص يدهش المتلقي بما يزخر به من شعرية (Poetic) . فكانت هذه القصيدة علامة بارزة في ديوان الشاعر تؤسس كما قلت للمدائح النبوية على الرغم من عدم خروجها على تقاليد القصيدة الجاهلية (4) المعروفة. وقد استثمر الشاعر تقنيات مهمة من أجل خلق حالة من الديمومة والبقاء تجعل من هذا النص يخلد ويشتهر على مدار الزمن ومن ابرز تلك التقنيات التناص(5).