القرآن الكريم حبلُ الله المتين ونوره المبين ومعجزته الخالدة إلى يوم الدين، لا يعوجّ فيقوم ولا تنقضي عجائبه، أساس سموّ العربية وسرّ خلودها ومنهل علومها المقدّسة، وألفاظ القرآن الكريم هي لبّ كلام العرب وأفصح ما ينطق بلغة الضاد، وتبيّن لنا بعد طول تأمّل في كتب التفسير ومعجمات اللغة أنّ كثيرا من ألفاظ القرآن الكريم تشعّبت أقوال المفسرين واللغويين فيها، فاتّخذت عدة أوجه جاء بها كلّ مفسر أو لغويّ على سبيل التوجيه الجائز والتأويل المحتمل، فلم يذكر لأحدها فضل مزيّة على غيره. ومن هنا جاءت فكرة هذا البحث الذي رأينا أن يكون بعنوان (صيغة فاعلة) في القرآن الكريم بين الاحتمال الصرفي والإعجاز البيانيّ). والغاية التي يسعى إليها هذا البحث تتلخص في أمرين الأول: نقض الاحتمال والتعدد في تلمس دلالة ألفاظ القرآن الكريم، لأنّ القرآن الكريم كتاب واحد أنزله ربّ واحد ونزل به ملك واحد على قلب نبيّ واحد وألفاظه واحدة موحّدة يؤدي كلّ منها معنى واحدا مُبينا لا متعدِّدا مُريبا، فمن أين ينسل إليها التوجيه المحتمل والجائز؟ ومسألة النقض هذه تنطلق من ثلاث ظواهر صرفية هي (التحول التصريفيّ والتوجيه الاعتباطيّ والإعجاز اللغويّ)، فنقض التحوّل التصريفي بجميع ضروبه وأمثلته في القرآن الكريم والعربية عموما بمنزلة نقض لسقف بناء الاحتمال الصرفيّ، لأن الأوجه التأويلية ما كانت لتعدد لدى المفسر الواحد لولا اعتماده على ظاهرة التحول في الصيغ الصرفية التي رأى البحث أنها ضرب من تحريف الكلم عن مواضعه. ثم إنّ نقض التوجيه الاعتباطي المتمثل بتقدير محذوفات في تركيب اللفظة القرآنية وسياقها العام بمنزلة نقض لجدران التأويل الاحتمالي، لأن القول بالحذف والذكر والتقدير والإضمار والزيادة والنقص والتقديم والتأخير كلّها مصاديق للتفسير الاعتباطي الذي لا يراعي وحدة النصّ القرآني المعجز بلفظه المحفوظ بين الدفّتين كما هو دون زعم – في أثناء تفسيره وتأويله – بنقص فيه ولا زيادة عليه. أما الأمر الآخر ففيه ينطلق البحث نحو التأسيس والبناء ليستبدل بالاحتمال الصرفي التأويل القطعيّ وبالتوجيه الجائز التوجيه القصديّ، وذلك بالاعتماد على الإعجاز اللغوي الذي يتمثل بالحفاظ على البناء اللفظي كما هو في المصحف دون القول بأنه محول من بناء آخر وبالحفاظ على وحدة التركيب الذي يشتمل على اللفظة دون القول: إنه تركيب حذف منه لفظ أو زيد فيه آخر. ولكثرة الألفاظ القرآنية التي وردت على صيغة (فاعلة) انتخب البحث عشرة منها للتحليل الصرفي رأى أنها كافية لجلاء الفكرة الرئيسة التي هي نقض التأويل الاحتمالي لألفاظ القرآن الكريم بناء على تلمّس الإعجاز البياني الذي لا يتحقق في الأوجه التأويلية كلها بل في واحد منها.