مع ان افلاطون في الفصلين السابع والعاشر من جمهوريته يعري المسرح بوصفه عالما زائفا يعج بالأخيلة التي يتوجب على المرء ان ينبذها ويتمسك بعالم الحقيقة، الا إن هذا لا يعدم الأثر البالغ الذي تركتهُ أرائهُ على المسرح، قديمهُ وحديثهُ،تجربهً وتنظيرا .إن حكايته الإستعارية للكهف ،والتي تعد مسرحةً للأفكارِ، إن هي إلا وسيلة ينفذ من خلالها الى جوهر المسرح. لذا فان مسرحية ونظرية الكهف قد اصبحت حجر الزاوية في ما قد اصُطلحَ عليه لاحقا بما وراء المسرح. إن ما وراء المسرح بمحمولاتهِ الافلاطونية قد أخذَ يشكل ملامح الحداثةِ في الفن والادب ويتصدى لقضايا على صلة بالفلسفة والعلوم التواصلية وعلم المعرفة، هذا بالإضافة لعلمِ الجمال. إن ما وراءَ المسرح يعيد طرح التساؤلات التي اثارها الكهف الافلاطوني ويعطي الجمهور بدائلا للحقيقة، الأمر الذي يجعلهم يبحثون عن الاجوبة بانفسهم.
إن عمل الكاتب المسرحي لويجي بيراندلو بمعضمهِ يزخرُ بما وراء المعنى الافلاطوني. إن الادب والفن المسرحي لدى بيراندلو يحض المتلقي ليتمعن في أوجه الحقيقة وذلك بجعلهِ واعياً بخفايا الفعل المسرحي. في مسرحيته " ست شخصيات تبحث عن مؤلف" يحاول بيراندلو أن يعيدَ مسرحةَ الأخيلة لذلك الكهف الافلاطوني. عبر سبرهِ لأليات المسرح، تتخلق في عمل بيراندلو شخصيات تتمتع بحرية التنقل من أُطر الحياة لأطر الشكل ومن هذه الأخيرة لأطر الواقع.