للغةِ العربيةِ خصوصيةٌ تميّزُها من سائرِ لغاتِ الأمم ، فهيَ لغةُ القرآنِ الكريم ، التي ارتبطت به ارتباطا وثيقا ، { إنّا أنزلناهُ قُرآنًا عربيًّا لعلّكمْ تعقِلون} (يوسف : 2) ، والتي ما تزالُ تُستعمَلُ بأصواتِها وكلماتِها وقواعدِها نفسِها حتى يومِنا هذا ، وكانت بجدارةٍ لغةَ الآدابِ والعلومِ والفنونِ . وترتبطُ كلُّ لغةٍ ارتباطاً تكوينياً وثيقاً بالبناءِ الحضاريِّ لأمتِها، وتُعدُّ عنواناً لشخصيتِها وهُويتِها, وأداةً للتعبيرِ عنِ الأفكارِ والمشاعر, وهيَ وسيلةُ التفاهمِ والتعلمِ والتطورِ وتناقلِ الخبرات. واللغةُ هيَ التي تحوّلُ الأفرادَ من جماعةٍ بشريةٍ إلى مجموعةٍ ثقافيةٍ مترابطة ، لأنّها تعملُ على تماسكِ البناءِ الاجتماعي ، وترابطِ أبناءِ الأمةِ الواحدةِ في البعدين : المكانيِّ الذي يتمثّلُ في انتشارِهم في الأمكنةِ المتباعدةِ ، والزمانيِّ الذي يتمثّلُ في تواصلِ الأجيالِ اللاحقةِ مع الأجيالِ السابقة .
واللغةُ العربيةُ تواجهُ اليومَ، وغداً أيضاً، تحدّياً حقيقياً ضارياً، يفرضُ عليها التعاملَ معهُ بذكاءٍ وفطنة ، والتحدّي الأكبرُ الذي سيواجهُ اللغةَ العربية في المستقبلِ ، هوَ المحافظةُ على خصوصياتِها وضمانُ استمرارِها وإشعاعِها، وحمايةُ المكوّناتِ والمقوّماتِ والقيَمِ التي تشكّلُ العناصرَ الجوهريةَ للكيانِ العربيِّ الإسلاميِّ الكبير . وذلك يستدعي الاهتمامَ باللغةِ العربيةِ تعلّما وتعليماً واتقاناً ، والعملَ الجادَّ على نشرِها في كلِّ المجالاتِ وعلى كلِّ المستويات ، ومعالجةَ مشكلاتِها في عصرِ العولمة ؛ وذلك ليسَ حاجةً شرعيةً فحسبْ ولكن ضرورةٌ ثقافيةٌ وحضارية .