إنّ دراسة الخطاب تستدعي الباحث إلى الوقوف على مكوّنات النص الشعري ، وسياقاتها الثقافية والمعرفية اللغوية للوصول إلى المحطة الأخيرة للمعنى ، أي إنّ دلالة النص وحدها لا تجدي نفعاً ، وإنّ هدفنا هو دلالة الخطاب التي ينبغي علينا تحصيلها عن طريق رصد مكوّنات الهيكل العام للقصيدة ، وإنّ موضوع البحث يقتصر على تحديد نوع الخطاب الصوفي عند أدونيس ، هذا الشاعر المعروف بثقافته الغزيرة ، إذ إنّه يُعدّ من الشعراء النقّاد الذين تمكّنوا من اللغة والمعارف والأخبار التراثية ، وفي الوقت نفسه قاد حركة التجديد الشعري العربي .
وينبغي توجيه النظر إلى آليات أو أدوات الحداثة التي استعملها أدونيس في شعره مثل: عنوانات القصائد، أو عتبات النصوص، فهي الثريا التي تضيء الموضوع العام للقصيدة، وأحياناً تكون مفتاحا للمعاني المستغلقة التي يبّثها في شعره، وأحياناً أخرى يجعلها لغزاً يدفع بالمتلقي للتفكير وفتح آفاق التأويل، أو يجعلها جواباً لتساؤل، ويصلح أن تكون الكلمة الأخيرة في القصيدة.
ويستعمل أدونيس أساليب متنوعة في تراكيب جمله الشعرية التي تعتمد مرجعيات مختلفة، كالمرجعيات التاريخية والدينية والتراثية، ويوّظفها في موضوعه الصوفي، وغالباً ما يستعمل معجماً محدداً من المصطلحات الصوفية، فضلا عن استعماله أشكالاً في بنية القصيدة ونوعها، مثل قصائد (المرآة)، و(القناع)، و (البوح)، ويستعمل حواريات وتناصات ليضفي على قصيدته هوية صوفية أدونيسية خالصة.